نائب المدير - رفد نائب المدير ومشرف
عدد الرسائل : 808 العمر : 45 تاريخ التسجيل : 02/02/2008
| موضوع: الكلمة واخواتها / الجزء الثالث عشر د. احمد الكبيسي الجمعة 10 أكتوبر 2008 - 6:53 | |
| باب حرف الصاد: منظومة صوم صام – أمسك – طوى – وصل - حصر هذه الكلمات هي منظومة الصوم وهي الامتناع عن شيء ما .صام: كل امتناع عن شيء محدد لمدة محددة يُسمّى صوماً. كأن تُلزم نفسك عدم الكلام لفترة معينة فهذا صوم كما في قوله تعالى في قصة مريم (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) مريم) صامت عن الكلام يوماً واحداً. وشرط الصوم أن يكون لمدة محددة. قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة) شهر واحد وهذه مدة محددة ولذا لم يقل تعالى في الآية كتب عليكم الإمساك.أمسك وإمساك: الامتناع العام وهو غير محدد كما في قوله تعالى (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) وهذا الامتناع المطلق لا تُعرف حدوده (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)الطو وطوى: هو الجوع المتعمّد بأن يتعمّد الإنسان عدم الأكل عدة وجبات ثم يجمعها في النهاية والطوّ هو الجوع المتعمّد كما يُفعل الآن في السجون عند الإضراب عن الطعام.الوصل والوصال: هو استمرار الصوم أي تصوم ولا تُفطر يومين أو ثلاثة متتالية مستمرة بدون انقطاع وبدون افطار وهذا النوع من الصوم منهيّ عنه في الإسلام إلا للرسول r لأنه قال r "إن ربي يُطعمني ويسقين"الحَصُر: الحصور هو الذي يمنع بَوله أو منيّه بقُدرة أي له القدرة على أن يحبِس بوله أو منيّه يقال هو حصور وليس محصور كما نستخدمها في لغتنا. والفرق بين إمساك البول والمنيّ أن البول قانون بشري أما أن تحصر المنيّ فهذا مدح وليس ذمّاً فسيدنا يحيى u وصفه الله تعالى (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) آل عمران) فهو قادر على الجماع ومع هذا لم يقرب النساء وعزف عنهن بقوة رغم قدرته واشتهائه لذلك. وأعجب من بعض الكتب التي يذكرون فيها أن كون يحيى u حصوراً كأن به عاهة وهي من أشد العاهات أن يحرم الله تعالى أحد أنبيائه من نعمة النساء، والله تعالى لا يرسل الأنبياء بهم عاهة. لكن يحيى u لشدة جماله ولشدة عشق النساء له ذهب ضحية ذلك وكانت المرأة التي عشقته سبباً في قتله فعزف u عن النساء رغم قدرته واشتهائه لهنّ وهذا من باب التقرّب إلى الله تعالى ومن باب التحنّث الذي هو عبادة عند بعض الناس. ورى الإمام مالك عن النبي r:" ما من نبيّ إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى ابن زكريا".ومع فارق التشبيه فإن العرب في الجاهلية كان منهم من يعفّ نفسه عن الزنا والخمر وكان يسمونه عفيفاً أو عفّان كما سُمي أبو عثمان ابن عفّان وكان اسمه الأصلي حبيب لكنه كان من المعدودين الذين عصموا أنفسهم من الزنا والخمر من باب المروءة واحترام النفس.علينا أن نتحدث عن شهر رمضان الذي هو أعظم أيام المسلمين وهو من أبرز الأدوات التي حقق الله تعالى به إراداته العظيمة لهذه الأمة:الإرادة الأولى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وهذا من حيث طبيعة الأداء أو بالصلاة أو الزكاة فالمطلوب أن تصلي قليلاً وتزكي قليلاً ولم يكلّفنا الله تعالى بالأداء الشّاقّ حتى أنه في السفر رخّص الفِطر والقصر في الصلاة.والإرادة الثانية: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء) أمرنا تعالى بصلاة ركعتين في الصبح، أربع في الظهر، أربعة العصر، ثلاثة المغرب وأربعة العشاء، والصوم شهر واحد في السنة والحج مرة واحدة في العمر فالتكاليف خفيفة.الإرادة الثالثة: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (النساء)) التخفيف والبيان مضى وبقيت التوبة والله تعالى قرّر بإرادة صارمة والله فعّال لما يريد أن يتوب عليكم من ذنوبكم. وهناك فريق بين قوله تعالى (يريد الله أن يتوب عليكم) وقوله تعالى (يريد الله ليتوب عليكم) فعندما تدخل أن على الفعل معناها إدخال إرادة أما اللام عندما تدخل على الفعل فهي تعني أنه قد فعل. كما في قوله تعالى (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) هيّأوا الأسباب أما قوله تعالى (يريدون ليطفئوا نور الله) قد فعلوا.وقوله تعالى في القرآن الكريم (ليهديكم، ليتوب عليكم) فهي تعني أن الله تعالى فعل بأسباب عدة منها:أنه تعالى جعل هذا الدين نُسُكاً في كل جزئية من حياة المسلم. فهناك عبادات لسانية مثل الذكر وعبادات مادية كالصدقة وعبادات جسدية كالصوم والحج والصلاة حتى الشوكة يشاكها المسلم يكفّر الله تعالى بها ذنوبه وحتى شكّ البعوضة.جعل الله تعالى أسباب التوبة لا حصر لها وصدق الرسول r "لا يدخل النار إلا شقي" دمعة من خشية الله أو همّ أو غمّ أو مرض أو حزن أو غيبة أحد لك كلها يكفّر الله بها الذنوب. في الحديث القدسي " من أخذت حبيبتيه فحمِدني خيّرته من أي أبواب الجنة شاء" ونحن بعبادة جميلة رائعة كالصوم الذي هو أعظم العبادات وأمتعها يغفر الله تعالى لنا.والناس جميعاً يصومون كل لهدف معين فمنهم من يصوم للرشاقة ومنهم من يصوم كعلاج من مرض ما ومنهم من يصوم حتى لا يصاب بالسمنة ونحن المسلمون نصوم عبادة لله وما من أحد يؤدي الصوم بخشوع كما يفعل المسلمون شهراً كانلاً. الله تعالى يخلق خلقاً ويختار من هذا الخلق نصيباً له هو تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) القصص) خَلَق الملائكة واختار جبريل وميكائيل واسرافيل وخلق البشر واختار الأنبياء والرسل وخلق المُدُن واختار مكة والمدينة وبيت المقدس وخلق الجبال واختار عرفة والطور وخلق البِقاع واختار المساجد وخلق العبادات واختار الصوم (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به( لأن كل العبادات معروف جزاؤها إلا الصوم. فالسيئة بمثلها والسيئة التي همّ بها العبد ثم تركها تكتب له حسنة وعملان موجبان: من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة ومن أشرك وجبت له النار، وعمل بعشرة مثل الحسنة بعشر أمثالها، وعمل بـ 18 وهو القَرض وعمل بـ 25 كالصلاة في المسجد وعمل بخمسين كالصلاة في الطريق وعمل بـ 700 ضعف وهو كل عمل في سبيل الله تعالى. والمسلمون اليوم جميعاً في فلسطين والعراق وسائر البلاد هم في سبيل الله لأنهم يُتعقبون ويُعتقلون ويحاربون ويحاصرون ولذلكفكل عمل مسلم الآن بـ 700 ضعف صلاته وصيامه وذكره وصدقته، وعمل لا يعلم أجره إلا الله تعالى وهو الصوم فلو كان ثوابه مئة ألف ضعف لذكره الله تعالى ولكنه قال تعالى (وأنا أجزي به) ومضاعفات الصوم لا يمكن لنا إدراكها لأنها تفوق تصوّر البشر. وما من عمل أرجى يوم القيامة من صائم صام صوماً مثالياً صحيحاً كاملاً لأنه أعجوبة العجائب يوم القيامة. سُئل رسول الله r علّمني عملاً أدخل به الجنة فقال r عليك بالصوم فإنه لا مِثل له وفي رواية فإنه لا عدل له.وكان r على المنبر فسمعه الصحابة يقول آمين آمين آمين فسألوه فقال هذا جبريل قال لي : من أدرك رمضان ولم يُغفر له أبعده الله.الصوم له وظيفتان: الأولى هي تأدية التكليف الذي لا بد منه والثانية هي أن يكون الصوم من النوع الذي يغفر لك كل الذنوب مصداقاً لقوله r" من صام رمضان إيماناً واحتساباً ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر" وكما أن طاعة الوالدين وبِرّهما جاء في القرآن مقروناً بالتوحيد (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) كذلك الصوم اقترن بالقرآن (الصوم والقرآن يشفعان) .فالصوم المثالي هو الصوم بالشكل الممكن المتاح للعبد الصالح وهو:v أن نصوم رمضان إيماناً واحتساباً أي بنيّة وعزيمة وأنت مصدّق بأنه ركن من الأركان وأنت راغب بثوابه ومستمتع به وتستقبله بِبِشر وأنت فرِح بقدومه وتحزن على فراقه .v أن تقوم ليله وصلاة التراويح هي الحدّ الأدنى لقيام الليل لكن أن تقوم قبل الفجر فتصلي يكن أفضل.v إفطار صائم وإطعام الطعام وهذا من مكمّلات الصوم حتى ولو بشربة ماء.آفة الصوم:v كل من له أبوان غير راضين عنه كلاهما أو أحدهما لا يغفر الله تعالى له كأنه ما صام وكل من لديه أبوان غير راضين عنه فعليه أن يبادر بطلب السماح منهما حتى يغفر الله تعالى له ويتقبل صيامه.v أخوان متخاصمان متصارمان لا يسلّم أحدهما عل الآخر لا يطمعا بمغفرة من الله تعالى (رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) v عدم الرفث والفسوق: والرفث هو كل مقدمات الجماع كالقبلة والضمّة واللمسة والفسوق هو النظر المحرّم "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب" وعلينا أن نكون في رمضان في غاية الرِقّة والدماثة حتى لمن اعتدى علينا.v المصيبة الكبرى هي الغيبة سرطان الصوم وهذه ليست سهلة لأنها أصبحت شائعة الآن في عصرنا هذا وكانت من قبل عيباً. فكل يوم تغتاب فيه أحداً من المسلمين يذهب أجر صومك وتأكله الغيبة. وحتى ننأى بأنفسنا عن هذه الأمور علينا أن نفكّر أن رمضان هذا العام قد يكون آخر رمضان لنا ونجتهد فيه ونُحسن صيامه إحساناً هائلاً حتى نخرج من مصائبنا وذنوبنا الكثيرة لتي أصبحت كالطوفان الهائل ولنفكّر في رمضان كأنه فرصتنا الأخيرة.الله تعالى يعتق في كل ليلة من رمضان سبعين ألفاً عند الإفطار فلنحرص على أن نكون منهم هذا يعني أنه في كل عام في شهر رمضان يعتق الله تعالى أكثر من مليوني مسلم هؤلاء لا يحاسبون ولا يدخلون النار وهؤلاء الذين كان صومهم مثالياً. كما أن ليلة القدر تعادل عبادة 84 سنة قيام ليلها وصيام نهارها بشرط عدم الغيبة وعدم المشاحنة والمخاصمة مع أحد. فإذا تحقق هذا كن من الذين صاموا صوماً مثالياً وممن أعتقهم الله تعالى من النار.ومن أعظم العبادات دعوة الصائم عند فطره وبما أنها دعوة عظيمة علينا أن نحسن اختيار الدعاء فندعو بالمغفرة والرحمة والعتق من النار وبنصرة المسلمين وبالستر في الدنيا والآخرة وكان أحد الصالحين يقول وقت افطاره: اللهم اغفر لي ذنوبي ولا تحاسبني على ذنب وأدخلني الجنة. | |
|