قال الفنان المسرحي العراقي يوسف العاني ان تاريخ المسرح في العراق واصل التطور منذ بداياته الاولى التي يرى باحثون أنها كانت مهد المسرح في العالم. وقال العاني في محاضرة بهذا الخصوص ان الباحث العراقي فوزي رشيد أثبت بالدلائل والوثائق أن مهد فن المسرح هو العراق وان اليونانيين اقتبسوه من العراق القديم. ونقل العاني عن رشيد قوله ان الاسطورة الشهيرة المكتشفة في العراق «نزول انانا الى العالم السفلي» وهي اول نص مسرحي مكتشف حتى الان في العالم لم تكن للقراءة فقط وانما للتمثيل ايضا. وأضاف أنه اكتشف نصا مسماريا اخر في مدينة اشور يعود الى 800 سنة قبل الميلاد وهو يتحدث عن تمثيلية اخرى بطلها الاله «مردوخ» وهذا كله قبل ان يعرف اليونانيون المسرح. وكان العاني يتحدث في محاضرته عن المسرح العراقي التي نظمت في اطار مهرجان «العراق الحضارة» الذي تقيمه حاليا مؤسسة سلطان العويس الثقافية الاماراتية بمشاركة ما يزيد عن 120 من الفنانين والرسامين والنقاد الموسيقيين العراقيين ونخبة من الادباء العراقيين المقيمين في اوروبا والدول الاخرى. وقال الفنان العراقي ان تطور الفن المسرحي في العراق يرجع في بداياته الاولى الى مرحلة الملاحم حيث انتجت الحضارة السومرية اولى الشعائر الدينية والطقوسية التي أتاحت للبابليين في وقت لاحق استيعابها وتطويرها في ملحمة خالدة هي ملحمة كلكامش التي تعد من اقدم الملاحم واجملها في العالم القديم والتي تعود الى الالف الثاني قبل الميلاد. وتابع «الملاحم القديمة مع الشعائر التي تؤدى في الاعياد والاحتفالات كالادعية في مواسم الربيع والحصاد واعياد جز الصوف والاخصاب وادعية النصر للمحاربين تعد من المظاهر الادائية التي تطورت في العصور اللاحقة لتصبح فعلا انسانيا مجاريا بذلك ما استجد في الحياة والثقافة». وذكر العاني ان المراحل التالية المعروفة للمسرح العراقي كانت في العصر العباسي حيث عرفت الاعياد والاحتفالات اشكالا من الالعاب فيها الكثير من المظاهر التمثيلية. وتابع أن الدلائل تشير الى ان بلاد الرافدين وفي عصورها المختلفة امتلكت مسرحا له مقومات الوجود مثل النص والمكان والجمهور. ومن المظاهر الاخرى ذات الطبيعة المسرحية ما يسمى «القصحون» ومعناها مؤدي الحكاية الذي شاع في العصور العباسية وبقي لعصور طويلة حيث كان القصحون يقدم مادته في الاسواق والمحلات العامة حيث كان يحمل بيده عصا يؤشر بها مؤديا معها بعض الاصوات والحركات. ومن بين المظاهر المسرحية فن «الساخر» الذي شاع خلال الاحتلال المغولي للعراق الذي ابتكره عامة الناس لاظهار حكام المغول بصفة مضحكين وذلك بتقليد حركاتهم وافعالهم امام الناس وامتد هذا اللون الى حكم العثمانيين. وقال العاني «لعل هذا الفن الشعبي هو الذي مهد لظهور الدمى باشكالها وبضمنها الصور المتحركة في خيال الظل». ويقول العاني ان المرحلة الاخرى تجسدت في مسرح «خيال الظل» الذي ابتكره ابن دانيال الموصلي المتوفي عام 1311 والمولود في مدينة نينوى في العراق ونشأ وترعرع في مصر ايام المماليك. وقد سمي خيال الظل في العراق «قرقوز» وهي لفظة تركية شاعت ايام احتلال العثمانيين للعراق، وكان هذا الاداء يلقى رواجا بين النساء في رمضان كما اجتذب الطبقات العليا والمثقفة. ومن بين النشاطات الاخرى التي تجسد العمل المسرحي «المراثي» ومنها قصة استشهاد الحسين بن علي التي تروي مأساة الحسين والصراع الذي نشا بين الحسين وانصاره وبين يزيد بن معاوية وجيشه حول خلافة المسلمين التي انتهى فيها الصراع بمقتل الحسين وانصاره حيث اتخذ النص الذي وضع حول هذه المأساة حضورا طقسيا في ثقافة وتقاليد سكان الرافدين عندما تجسد ذلك في صور حزينة ومراث يتداولها الناس جيلا بعد جيل. وقال العاني ان الفترة ما بين 1880 و 1921 تعد فترة مخاض حقيقي لولادة المسرح العراقي الناضج حين ظهرت المحاولات الاولى التي شيد بها الفنانون والمثقفون صرح المسرح العراقي حيث اصبح المسرح لغة اجتماعية وانتقادية معارضة خاصة خلال الفترة التي شهدت نهاية الاحتلال العثماني وبداية الاحتلال الانجليزي للعراق. واشار العاني الى ان النشاط المسرحي الحديث في العراق بدأ خلال الربع الاخير من القرن التاسع عشر حيث يمكن حصر فترة التأسيس لهذا النشاط الممتد حتى عام 1921 حينما تكونت دولة العراق بعد الانفصال عن الامبراطورية العثمانية. وحين صدر قانون الجمعيات عام 1922 بدأ النشاط المسرحي في الظهور بوضوح حيث اجاز هذا القانون اقامة الفرق التمثيلية والجمعيات الفنية. واشار العاني الى انه تم بعد قيام الحكم الوطني الاهتمام بالحركة المسرحية حيث تم تأسيس معهد الفنون الجميلة في بغداد الذي اضاف بعد اربع سنوات من انشائه اي عام 1940 فرعي الرسم والتمثيل مما شكل اعترافا بالتمثيل كعلم يدرس شأنه شأن العلوم الاخرى. واختتم العاني محاضرته بالقول ان المسرح العراقي «اغنى مسرحنا العربي بما اعطى من كتاب كانت وما زالت لنصوصهم المسرحية موقع الصدارة في اعمالهم المسرحية».
